أكبر الأديان في دولة موريشيوس، التركيبة الدينية، التاريخ، التأثيرات الثقافية، والواقع الاجتماعي
تُعتبر جمهورية موريشيوس الواقعة في المحيط الهندي، واحدة من أكثر الدول تنوعًا ثقافيًا ودينيًا في العالم. على الرغم من مساحتها الجغرافية الصغيرة التي تبلغ حوالي 2,040 كيلومترًا مربعًا، إلا أن هذا البلد يضم تركيبة سكانية فريدة تتعدد فيها الأصول العرقية والدينية بشكل لافت. وقد انعكس هذا التنوع بوضوح في الهوية الوطنية وفي النظام السياسي والاجتماعي للبلاد، حيث تشكل الأديان مكوّنًا أساسيًا في الحياة اليومية لسكان موريشيوس، ولها تأثير مباشر على الثقافة، واللغة، والعادات، والتعليم، والمناسبات الوطنية.
يناقش هذا المقال بعمق أكبر الأديان في موريشيوس من حيث النسبة السكانية، التاريخ، الانتشار، الأثر الثقافي، والتركيبة الطائفية، مع التركيز على تطورها التاريخي في سياق الاستعمار، والهجرة، والسياسات الوطنية التي ساعدت في بناء نظام ديني تعددي قائم على التعايش.
التوزيع الديني في موريشيوس وفقًا للإحصائيات الرسمية
تشير بيانات التعداد السكاني الرسمي في موريشيوس إلى التوزيع الديني التالي:
| الدين الرئيسي | النسبة المئوية من السكان |
|---|---|
| الهندوسية | 48.5% |
| المسيحية | 32.7% |
| الإسلام | 17.2% |
| ديانات أخرى / غير مصرح بها | 1.6% |
وتُظهر هذه الأرقام أن موريشيوس هي الدولة الوحيدة في القارة الأفريقية التي يشكل فيها أتباع الديانة الهندوسية الأغلبية، وهو ما يعكس التأثير الكبير للهجرة الهندية إلى الجزيرة إبان الحقبة الاستعمارية البريطانية.
1. الهندوسية: الديانة الأكبر في موريشيوس
الجذور التاريخية للهندوسية في موريشيوس
ترتبط نشأة الديانة الهندوسية في موريشيوس بشكل مباشر بمرحلة الاستعمار البريطاني، حيث بدأت بريطانيا في جلب العمال الهنود إلى الجزيرة بعد إلغاء نظام الرق سنة 1835. تم استقدام عشرات الآلاف من العمال من ولايات مثل بيهار وأوتار براديش وتاميل نادو، للعمل في مزارع قصب السكر، وكان معظمهم من أتباع الديانة الهندوسية.
الخصائص الدينية والاجتماعية للهندوس في موريشيوس
الهندوس في موريشيوس يتبعون طوائف ومذاهب متعددة مثل الفايشنافية (عبادة فيشنو)، والشيڤية (عبادة شيفا)، بالإضافة إلى بعض التأثيرات المحلية المستمدة من تقاليد الهند الجنوبية. وقد أسس المجتمع الهندوسي في الجزيرة مجموعة من المعابد والمراكز الثقافية التي تقوم بدور محوري في حفظ اللغة الهندية (خصوصًا البوجبورية والهندية والسنسكريتية) والممارسات الدينية.
المهرجانات والاحتفالات الهندوسية
من أبرز المناسبات التي يحتفل بها الهندوس في موريشيوس:
-
ماها شيفاراتري (Maha Shivaratri): يُعد من أكبر الأعياد الدينية في البلاد، حيث يسير الحجاج مشيًا على الأقدام إلى بحيرة “غران باسين” المقدسة (المعروفة أيضًا باسم “جنجا تالاو”) التي تمثل نهر الغانج في الهند.
-
ديوالي: عيد الأنوار الذي يحتفل بالنصر الروحي للنور على الظلام والخير على الشر.
-
هولي: مهرجان الألوان الذي يجمع مختلف الفئات العمرية في احتفال شعبي كبير.
2. المسيحية: ثاني أكبر ديانة في موريشيوس
المسيحية في سياق الاستعمار الفرنسي والبريطاني
دخلت المسيحية إلى موريشيوس في القرن السابع عشر على يد المستوطنين الهولنديين، لكنها انتشرت فعليًا في القرن الثامن عشر مع الاحتلال الفرنسي، وتواصل انتشارها خلال الحكم البريطاني. معظم المسيحيين في الجزيرة من الكاثوليك، ويُعتقد أن نسبة كبيرة منهم من أحفاد العبيد الذين تم جلبهم من مدغشقر وأفريقيا الشرقية.
الطوائف المسيحية في موريشيوس
-
الكنيسة الرومانية الكاثوليكية: تُمثل الغالبية الساحقة من المسيحيين في موريشيوس، وتتمتع بنفوذ ثقافي وتعليمي ملحوظ.
-
البروتستانت: خصوصًا من الكنيسة الأنجليكانية، ولهم وجود محدود مقارنة بالكاثوليك.
-
الطوائف الإنجيلية والمسيحية الجديدة: ظهرت مؤخرًا، ولها حضور متزايد خصوصًا في المدن.
الدور الاجتماعي للمسيحية
تدير الكنيسة الكاثوليكية عددًا كبيرًا من المدارس والمؤسسات الصحية والاجتماعية، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في البنية التحتية للمجتمع المدني في موريشيوس.
3. الإسلام: ديانة أقلية مؤثرة في موريشيوس
خلفية تاريخية للمسلمين في موريشيوس
ينحدر غالبية المسلمين في موريشيوس من شبه القارة الهندية، خصوصًا من ولايتي بيهار وأوتار براديش، وقد جاءوا بنفس طريقة الهندوس، أي كعمال تحت نظام “العمل التعاقدي” (Indentured Labour System) خلال الحكم البريطاني. وهناك أيضًا أقلية من المسلمين تعود جذورها إلى شرق أفريقيا واليمن.
الطوائف الإسلامية
-
السنّة (غالبيتهم من الأحناف): يشكلون النسبة الكبرى.
-
الشيعة: لهم وجود محدود.
-
الإسماعيلية والبهرة: أقليات ذات طابع تجاري وتجاري.
المؤسسات الإسلامية والتعليم الديني
تمتلك الجالية الإسلامية في موريشيوس شبكة واسعة من المساجد والمدارس الدينية، وتتمتع بتمثيل سياسي واجتماعي مهم. يُدرس الدين الإسلامي في المدارس الخاصة بالجالية، كما تُنظم احتفالات كبرى بالمولد النبوي، وعيد الفطر، وعيد الأضحى.
4. الأديان الأخرى والتعددية الدينية
البوذية والسيخية
توجد في موريشيوس أقليات صغيرة من أتباع الديانات الشرقية الأخرى مثل البوذية والسيخية، ويعود وجودهم في الغالب إلى مهاجرين آسيويين من الصين والهند.
اللادينيون وأتباع المعتقدات الجديدة
رغم أن الأغلبية العظمى من سكان موريشيوس يعتنقون ديانة معينة، فإن هناك نسبة ضئيلة من اللادينيين أو أولئك الذين يتبعون معتقدات روحية بديلة أو جديدة، خصوصًا بين الفئات الحضرية والمثقفة.
الأثر الثقافي والاجتماعي للتعدد الديني
التعايش السلمي واحترام التعددية
تُعتبر موريشيوس نموذجًا فريدًا في التعايش السلمي بين الأديان، حيث تحظى كل ديانة بالاحترام والحرية الدستورية في ممارسة الشعائر الدينية. تُقام الأعياد الدينية الكبرى للهندوس والمسيحيين والمسلمين كعطل وطنية رسمية، ما يعكس إدماج الديانات في البنية السياسية والاجتماعية للدولة.
النظام التعليمي واللغة
يلعب الدين دورًا في التعليم، حيث تسمح الدولة بتدريس الدين في المدارس الخاصة بكل جالية دينية. كما أن لكل جماعة الحق في إدارة مؤسساتها التعليمية والدينية. أما من ناحية اللغة، فتمثل اللغة الكريولية لغة التواصل المشترك بين مختلف الأديان، في حين تُستخدم اللغات الهندية والعربية والفرنسية في السياقات الدينية والتعليمية.
الدين والدولة في موريشيوس
على الرغم من هذا التنوع، فإن الدولة الموريشيوسية تلتزم بمبدأ العلمانية، ويُكرّس الدستور حرية الدين والمعتقد. لا تُميز الحكومة بين الأديان، بل توفر تمويلاً عامًا للجمع
